حَذَّرُوني مِنَ الحنينِ كثيرًا !! / هلال الفارع
نشرت بواسطة:محمود بسام
22/06/2012
الشاعر هلال الفارع مخاطباً بلدته “قصرة”
حَذَّرُوني مِنَ الحنينِ كثيرًا !!
شعر: هلال الفارع
أَوْرَقَ الدَّمْعُ لَحْظَةَ الإِطراقِ فَوْقَ خَدِّي مَصَارِعَ الخَفَّاقِ
فَبَدَا صَمْتُهُ الأَخِيرُ مُرِيبًا وَحَرِيصًا على الأَذَى والشِّقَاقِ
لم يَعُدْ يَرْغبُ الغداةَ كثيرًا في الأمَانِي، وصُحْبَتِي في السِّبَاقِ
وانْتَحَى جَانِبَ الذَّرائِعِ لَمَّا خانَنِي لحْظَةَ الرَّجَاءِ فَوَاقِي
كِدْتُ أَرْضَى بآخِرِ الْوَشْيِ مِنْهُ في لِهَاثِي، وفي لَظَى الأعْراقِ
بَيْدَ أَنِّي فَطِنْتُ أنَّ دِمَائِي لم تَعُدْ بَعْدُ من سُرَى الْعُشَّاقِ
قلتُ أدنُو منَ الطَّبيبِ قليلاً نَتَنَاغَى في ضَيِّقٍ مِنْ نِطَاقِ
أَنْكَرَ الطِّبُّ والطبيبُ عُرُوقًا خَاويَِاتٍ سِوى منَ الإرْهَاقِ
وبَدََتْ في الوُجُوهِ فَحْوَى سُؤالٍ صَارخِ الْحَرْفِ هَمََّ بِاسْتِنْطَاقي
قلتُ: في القلبِ.. ثمَّ أَوْكَى لِسَانِي وأشارتْ يَدِي إلى أوْرَاقي
ذاكَ ما رَوَّعَ الأُسَاةَ فقَامُوا يَسْتَبِينُونَ بَيْنَهُمْ ما أُلاقِي
ثم راحُوا يُقَلِّبُونَ بِقَلْبِي صَفَحَاتٍ مِنَ الهُمومِ الْعِتاقِ
كنتُ أُصْغِي، وخَاطِري يَتَشَظَّى في عُيُونٍٍ تَغُوصُ في الإشْفَاقِ
يتناجَوْنَ دونَ حِرْصٍ وإنّي شَاهِقُ القلبِ مِنْ غِيَابِ الْمَتَاقِِي
كم تمنيتُ لو أَسَرُّوا حديثًا أو أَدَارُوهُ في ظِلالِ السِّيَاقِ
سوف تَنْجُو.. وَعَمَّقُوا مِنْ ظُنُونِي حينَ فَرَّتْ مَلامِحُ الأَحْداقِ
كيفَ أنجو وجَفْنَةٌ مِنْ لَهِيبٍ فوقَ صَدْرِي، وَجَمْرُها أَعْمَاقي؟
أيُّ قلبٍ على السَّريرِ مُسَجًّى ليسَ تُجْدِيهِ حِيلَةُ التِّرْيَاقِ؟
خَدَرٌ جَالَ في الأَنَامِلِ حينًا وانْسِدَادٌ بِذِي الشَّرَايينِ بَاقِ
وَطُيُوفٌ تَمُرُّ خلفَ عُيوني إنَّهُ الموتُ حَلَّ في الآفاقِ
وَيْحَ قلبي، أَيَنْتَهي النَّبْضُ فيهِ قبلَ أنْ تَسْتَبِيحَهُ أشْواقِي؟
لم أزلْ أُقْرِئُ الْغُروبَ سَلامِي وأُبارِي الصَّبَاحَ في الإشْراقِ
وَأُغَنِّي هَوَايَ في لَحْنِ صَمْتٍ خَانِقِ الصَّدْحِ مُسْتَفِزِّ الْمَذاقِ
كُلَّمَا قُلْتُ مَوْطِنِي حَطَّ نَجْمٌ في شِفَاهِي مِنْ حِضْنِ سَبْعٍ طِباقِ
فَتَهَدَّجْتُ في حُرُوفي وَنَبْضِي وَتَبَرَّجْتُ مِنْ دُموعي الرِّقاقِ
إنّ هذا الْجَفَاءَ وَجْهُ عَدُوٍّ قاسِيَ الطَّبْعِ ما لَهُ مِنْ خَلاقِ
أَوْدَعَ اللَّيْلُ سَهْمَهُ في فؤادي ثم أَغْفَى، فَمَا لَهُ مِنْ رَاقِ
وَرَمَانِي على مَجَاهِلِ دَرْبٍٍ تَعِسَتْ بالنُّدُوبِ والأنْفَاقِ
أشتكي الْوَجْدَ إنَّما ليسَ يُصْغِي غيرُ دَمْعِي لِدَمْعِيَ الْمِهْرَاقِ
قد وَأَدْتُ النَّوَى، وَلَكِنْ بِقَلْبِي أيُلامُ الشِّرْيانُ في إِمْلاقِ؟!
ثم لمَّا سَأَلْتُ عنْ بَرْقِ عَهْدٍ قدْ يَقِينِي مَوَاجِعِي واخْتِنَاقِي
آنَسَ الْبُعْدُ في حَشَايَ مُقَامًا وتَمَطَّى أَسَايَ في إِخْفَاقِي
رَبِّ إنِّي مُغَيَّبٌ في رُفَاتِي وَغَرِيبٌ مُؤَمِّلٌ بِالتَّلاقِي
فَأَغِثْ لَهْفَةَ الْمُفَارِقِ أَهْلاً رَاكِضًا خَلْفَ حُلْمِهِ الْبَرَّاقِ
ليسَ مِنْ طَبْعِهِ الْبُكَاءُ وَلَكِنْ تَغْلِبُ الصَّبْرَ دَمْعَةُ الْمُشْتَاقِ
وَحَنِينٌ إلَى مَدارِجِ رُوحٍ يَزْرَعُ الشَّوْكَ كُلَّهُ في الْمَآقي
كيفَ يَغْفُو على الفِرَاقِ ذَبِيحٌ بِعُيُونٍ سَخِيَّةٍ كَالسَّواقي؟
كيف يغفُو وَكُلَّمَا هَمَّ جَنْبٌ بِفِرَاشٍ أَقَضَّ بَوْحَ الْعِنَاقِ؟!
ليسَ عندي بِغُرْبَتِي غيرُ قَلْبِي ضَنَّ دَهْرِي بِخِلَّتِي وَالرِّفَاقِ
وَرَمَانِي على السَّبيلِ وَحِيدًا تَعْتَرِينِي نَهَامَةُ الطُّرَّاقِ
سَطْوةُ الدَّهْرِ كَوْنُهُ حَدَّ سَيْفٍٍ لا يُراعِي ضَرَاعَةَ الأَعْنَاقِ
فإذا حَزَّ أَوْغَرَ الْقَطْعَ فيها وتوارَتْ خُرافَةُ الإعتاقِ
قَرِّبِي كَفَّكِ الصَّغِيرَةَ مِنِّي وَخُذِي بَعْضَ رَجْفَتِي وَاصْطِِفَاقِي
إنَّنِي خَائِفٌ وفي شَهَقاتِي مِثْلُ نَارٍ تَشِبُّ في أَعْرَاقِي
حَذَّرُونِي مِنَ الْحَنينِ كَثِيرًا وَمِنَ الْحُبِّ وَالْبُكَا وَالْفِرَاقِ
وَمِنَ الصَّمْتِ وَالْقَوَافي، وقالُوا: إنَّ بَعْضَ الدَّاءاتِِ في الإِطْرَاقِ
قَرِّبِينِي إليْكِ ثُمَّ أَدِيمِي سَهْمَ عيْنَيْكِ كي يُجِيدَ اخْتِرَاقِي
واقْرَئِينِي فإنَّ رَشْفَةَ شِعْرِي مَا وَعَاهَا على الشِّفَاهِ السَّاقِي
قَرِّبِينِي إلى جَدَائِلِ “قُصْرَى” واتْرُكِينِي بِحِضْنِها الدَّفَّاقِ
يَعْلَمُ اللهُ كَمْ أُنَاجِي كُرُومًا أَسْكَرَتْني كَمِثْلِ كَأْسٍ دِهَاقِ
وَتَهادَى إليَّ بَعْضُ شَذاها فَأَعَادَ الْحَيَاةَ في أَرْمَاقِي
لستُ وَحدي أَسِيرَها بِعَبيرٍ نَثَرَ السِّحْرَ في مَدَى النُّشَّاقِ
قَرِّبيني.. لُعِنْتِ إنْ لمْ تَجِيئِي مِثْلَ بَرْقٍ عَلى جُنُونِ بُراقِ
واحْمِلِينِي فقدْ شَبِعْتُ اغْتِرَابًا وَكَرِهْتُ النَّوَى على الإِطْلاقِ
لم تَعُدْ قِصَّةُ الحَياةِ بِحَدْسِي غيرَ مَوْتٍ بِرَسْمِ الاِسْتِحقاقِ
فإذا الطَّعْنَةُ الأَخيرَةُ حَلَّتْ وَتَجَلَّتْ بِشَفْرَةِ الْمِخْراقِ
سوفَ تَنْعَى الحَياةُ فوضَى قُلوبٍ وصدورًا رَدِيئَةَ الإِغلاقِ
أَيُّها الْمَوْتُ خُذْ دَمي.. خُذْ دُمُوعي ثمَّ خُذْني.. وخُذْ بَقَايا الْبَاقي
إِنَّما دَعْ لَدَى البُحُورِ يَراعِي لِيُبَاهِي بِحُلْمِنا الْعِمْلاقِ!!
2012-06-22